يحارب الحوثيون ثم يستميتون في الحفاظ على مكاسب حربهم، فيما يحارب خصومهم ثم يستثمرون حربهم في وعاء مثقوب اسمه “هادي”.
أول أمس السبت؛ حلقت الطائرات الحربية في الأجواء مدة 20 دقيقة بينما كان محمد علي الحوثي يخطب في صالة مكتظة بوجهاء وأعيان وكبار موظفي محافظة إب، قبل أن ينتهي اللقاء ويغادره في زيارة ميدانية، رفقة محافظ المحافظة، إلى مديرية بعدان وحصن حب.
بالمقابل: لم يظهر عبد ربه منصور هادي ولا حتى بإطلالة تلفزيونية مسجلة ليطمئن “شعبه” بعد اغتيال محافظ محافظة عدن، الاغتيال الذي هز العاصمة المؤقتة لـ”فخامته” وهز معها البلاد كما هز تحالفاً من 11 دولة!!
أي مقارنة بين هادي والحوثي ستبدو مقارنةً “دعائية” لمصلحة الثاني، لكن هذا هو الوضع بالضبط: فرداءة الأول تعمل لمصلحة الثاني باستمرار، ليس من الآن، بل طوال طريق الثاني من صعدة حتى دخوله دار الرئاسة في صنعاء.
الشرعية الدستورية العاجزة والفاسدة كانت الممر الطبيعي لشرعية الحوثيين “الثورية” بالأمس..
الشرعية الدستورية العاجزة والفاسدة هي اليوم أيضاً من تستمر أوراقها بالتساقط، ومن داخل عدن، ورغماً عن حماية ألوية وكتائب ضاربة من ثلاث دول عربية..
فيما ينشغل الحوثيون بتعويض الناقص من الشرعية الدستورية عبر الوصول إلى الناس ومراكمة “ثقة” اجتماعية بهم ولو وسط ضجيج الحرب وتحت أزيز الطائرات..
عدد الأنشطة الميدانية، واللقاءات والتواصلات، التي نفذها، وينفذها، محمد الحوثي خلال ثمانية أشهر تفوق بأضعاف مضاعفة تلك التي نفذها هادي طوال ثلاث سنوات من رئاسته..
الحوثي ليس رئيسا لكنه يعيش الدور بانسجام كامل، وكفاءة عالية، دون أن يبذل جهداً لإقناع أحد بكونه كفؤاً لموقع الرجل الأول أو غير كفؤ..
بينما هادي لم يفعل شيئا لإقناع الناس بكونه رئيسا، بل ولم يشاهده الناس طيلة رئاسته في مدينة غير صنعاء (إلا، وهذه مفارقة، حين زار مدينة عمران مباركا انتصار “الجمهورية” فيها، أو حين وصل إلى عدن مضطرا وهاربا!).
قد يخفق الحوثيون وقد ينجحون (ولن ينجحوا إلا بتسوية وشراكة)، لكنهم، أقلّها، ورغم كل شيء، في طور الاختبار، بينما “الشرعية” التي قُتلت البلاد والعباد من أجلها؛ تثبت فشلها بعد الحرب كما أثبتت فشلها قبل الحرب.. لقد خضعت لألف اختبار واختبار والنتيجة نفسها: صفر مكعب.
على التسوية السياسية، لكل ذلك ونقولها منذ الآن؛ أن تنتهي إلى بديل توافقي لا يكرر شخصية “هادي” الفادحة، وإلا فإن السلم سيكون بمثل فداحة الحرب.
الحرب ليست أسوأ من تسوية تبقي على “هادي”.
يا عالم؛ كان الحوثي (ممثل المليشيا و الانقلاب وام الجن كما تقولون) يدعو من الملعب الرياضي بإب إلى الحوار ويقول إن تياره مع أي مبادرة وطنية للحوار والسلام؛ بينما وفي نفس اليوم واللحظة كان هادي (الشرعية ورئاسة الجمهورية اليمنية وواجهة الـ11 دولة) يرفض من عدن أي حديث عن مفاوضات جنيف قبل إطلاق سراح شقيقه الأسير لدى الحوثيين!!
يقايض مصير شعب وبلد بالإفراج عن أخيه.. يضع مصيرنا جميعاً بمصير قضية عائلية مش أكثر!